سورة غافر - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}
{حم} أنبأنا أبو عبد الله بن فنجويه حدثنا أبو علي بن حبش المقريء حدثنا أبو القاسم ابن الفضل حدثنا علي بن الحسن حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا يحيى بن حسان حدثنا رشد عن الحسن بن ثوبان عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حم اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربّك تعالى».
أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان أخبرنا مكي بن عبدان حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا شعبة قال: سألت السدي عن حم؟
فقال: قال ابن عبّاس: هو اسم الله الأعظم.
وروى عكرمة عن ابن عبّاس قال: {الر} و{حم} و{ن} حروف الرحمن مقطوعة.
الوالبي عنه: قسم أقسم الله تعالى به، وهو اسم من أسماء الله تعالى.
وقال قتادة: حم اسم من أسماء القرآن.
مجاهد: فواتح السور.
القرظي: أقسم الله تعالى بحلمه وملكه أن لا يعذب أحداً عاد إليه يقول لا إله إلاّ الله مخلصاً من قلبه.
الشعبي: شعار السورة.
وقال عطاء بن أبي مسلم الخراساني: الحاء افتتاح أسماء الله تعالى: حليم، وحميد، وحيّ، وحنّان، وحكيم، والميم افتتاح أسمائه: ملك، ومجيد، ومنّان. يدل عليه ماروى عن أنس بن مالك أنه قال: سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حم، فإنا لا نعرفها في لغتنا؟
فقال: «بدء أسماء وفواتح سور».
وقال الضحاك والكسائي: معناه قضى ماهو كائن، كأنه أراد الاشارة إلى حُمّ بضم الحاء وتشديد الميم.
{تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم} واختلف القراء في قوله: {حم} فكسر الحاء حيث كان، عيسى وحمزة والكسائي وخلف، ومثله روى يحيى وحماد عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ أبو جعفر وأبو عبيد وأبو حاتم وابن ذكوان بين الفتح والكسر.
ومثله روى بكر بن سهل الدمياطي وإسماعيل النخاس عن ورش عن نافع.
وقرأ الباقون: بالفتح.
{غَافِرِ الذنب} قال ابن عبّاس: لمن قال: لا إله إلاّ الله.
{وَقَابِلِ التوب} ممّن قال: لا إله إلاّ الله {شَدِيدِ العقاب} لمن لايقول: لا إله إلاّ الله {ذِي الطول} ذي الغنى عمّن لايقول: لا إله إلاّ الله.
وقال الضحاك: ذي المنن.
قتادة: ذي النعم.
السدي: ذي السعة.
الحسن: ذي الفضل.
ابن زيد: ذي القدرة، وأصل الطول: الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه، يقال: اللهم طلّ علينا، أي أنعم علينا وتفضل، ومنه قيل للمنفع: طائل، ويقال في الكلام: ماخليت من فلان بطائل وما حظيت منه بنائل، أي لم أجد منه منفعة.
حدثنا الحسن بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا يوسف بن عبد الله ابن ماهان حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت قال: كنت إلى جانب سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا يمر فيه الدواب، وقد استفتحت {حم* تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم} إذ مرَّ رجل على دابة فلما قلت: {غافر الذنب}.
قال: قل: ياغافر الذنب اغفر لي ذنبي.
قلت: {وقابل التوب}.
قال: قل: ياقابل التوب اقبل توبتي. قلت: {شديد العقاب}.
قال: قل: ياشديد العقاب اعف عني عقابي.
قلت: {ذي الطول}.
قال: قل ياذي الطول طلّ عليَّ بخير.
قال: ثم التفتُ يميناً وشمالاً فلم أر شيئاً.
وقال أهل الاشارة: {غافر الذنب} فضلاً {وقابل التوب} وعداً {شديد العقاب} عدلاً.
{لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير} فرداً. و{التّوب} يجوز أن يكون مصدراً، ويحتمل أن يكون جمع التوبة، مثل دومة ودوّم وعومة وعوّم.
أخبرنا عبد الله بن حامد قرأه عليه حدثنا محمّد بن خالد بن الحسن أخبرنا داود بن سليمان حدثنا عبد بن حميد حدثنا كثير بن هشام أخبرنا جعفر بن مرقان حدثنا يزيد بن الأصم: أن رجلاً كان ذا بأس، وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبأسه، وكان من أهل الشام، وأن عمر فقده فسأل عنه فقيل له: يتابع في هذا الشراب فدعا عمر كاتبه فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليكم، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو {بسم الله الرحمن الرَّحِيمِ * حم* تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم * غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب ذِي الطول لاَ إله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المصير}. وختم على الكتاب ثم دفعه إلى رسوله وقال: لا تدفعن الكتاب إليه حتّى تجده صحوان.
ثم أمر من عنده فدعوا له أن يقبل الله تعالى عليه بقلبه، وأن يتوب عليه، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول قد وعدني الله تعالى أن يغفر لي وحذّرني عقابه، فلم يزل يرددها على نفسه حتّى بكى ثم نزع، فاحسن النزع وحسنت توبته وحاله، فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زَل زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا الله تعالى له أن يتوب عليه، ولاتكونوا أعواناً للشياطين عليه.
{مَا يُجَادِلُ} مايخاصم ويمادي {في آيَاتِ الله} بالإنكار لها {إِلاَّ الذين كَفَرُواْ}.
أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمّد بن يعقوب حدثنا محمّد بن إسحاق حدثنا خالد بن الوليد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: آيتان ما أشدّهما على الذين يجادلون في القرآن {مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ} و{وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176].
أخبرنا عبد الله بن حامد حدثنا محمّد بن خالد حدثنا داود بن سليمان أخبرنا عبد بن حميد حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائد عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جدالاً في القرآن كفر».
{فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ} تصرفهم {فِي البلاد} للتجارات وبقائهم فيها مع كفرهم، فإن الله تعالى يمهلهم ولايهملهم، نظيره: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِي البلاد * مَتَاعٌ قَلِيلٌ} [آل عمران: 196- 197]، ثم قال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب} والكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالمخالفة والعداوة {مِن بَعْدِهِمْ}، أي من بعد قوم نوح {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} ويقتلوه.
قال الفراء: كان حقه أن يقول برسولها وكذلك هي في قراءة عبد الله، ولكنه أراد بالأمة الرجال فكذلك قال: {برسولهم}.
{وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ} ليبطلوا ويزيلوا {بِهِ الحق فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين كفروا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار * الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} من الملائكة.
قال ابن عبّاس: حملة العرش مابين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام. وقال: مسيرة أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة، وأهل السماء السابعة أشد خوفاً من أهل السماء التي تليها، والتي تليها أشد خوفاً من التي تليها.
قال مجاهد: بين الملائكة وبين العرش سبعون حجاباً من نور.
أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا مخلد بن جعفر حدثنا الحسن بن علوية حدثنا إسماعيل ابن عيسى حدثنا إسحاق أخبرني مقاتل عن الضحاك عن ابن عبّاس قال: لمّا خلق الله حملة العرش قال لهم: احملوا عرشي. فلم يطيقوا، فخلق مع كل ملك منهم من أعوانهم مثل جنود من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الخلق، فقال: احملوا عرشي. فلم يطيقوا، فخلق مع كل واحد منهم جنود سبع سماوات وسبع أرضين ومافي الأرض من عدد الحصى والثرى فقال: احملوا عرشي. فلم يطيقوا، فقال: قولوا لاحول ولاقوة إلاّ بالله.
فقالوا: لا حول ولا قوة إلاّ بالله استقلينا عرش ربّنا.
قال: فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الثرى فلم تستقر، فكتب على قدم كل ملك اسم من اسمائه تعالى، فاستقرت أقدامهم.
وروى شهر بن حوشب عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتفكروا في عظمته ولكن تفكروا فيما خلق الله تعالى من الملائكة، فإن خلقاً من الملائكة يقال له: إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى، وقد مرق رأسه من سبع سماوات وأنه ليتضأل من عظمة الله تعالى حتّى يصير كأنه الوضيع».
وروى موسى بن عقبة عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُذِنَ لي أن أُحدّث عن ملك من ملائكة الله من حملة عرشه ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام».
وفي الخبر: أن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة عرشه، تفضيلاً لهم على سائر الملائكة، فهذه صفة حملة العرش.
وأما صفة العرش:
فروى لقمان بن عامر عن أبيه قال: ان الله تعالى خلق العرش من جوهرة خضراء، للعرش ألف ألف رأس زاجون ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلاّ وهو يسبح بتحميده لايسبحه الآخر، مابين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام، ومابين شحمة أُذنه إلى عاتقه أربع مائة عام، واحتجب الله تعالى بينه وبين الملائكه الذين هم حول العرش بسبعين حجاباً من نار، وسبعين حجاباً من ظلمة، وسبعين حجاباً من نور، وسبعين حجاباً من در أبيض، وسبعين حجاباً من ياقوت أحمر، وسبعين حجاباً من زبرجد أخضر، وسبعين حجاباً من ثلج، وسبعين حجاباً من ماء، وسبعين حجاباً من برد ومالا يعلمه إلاّ الله تعالى.
قال: ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه: وجه ثور، ووجه أسد، ووجه نسر، ووجه إنسان، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة: أما جناحان فعلى وجه من أن ينظر إلى العرش فيصعق، وأما جناحان فيتبوأ فَيَقْوى بهما، ليس لهم كلام إلاّ التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.
وقال يزيد الرقاشي: ان لله تعالى ملائكة حول العرش يسمّون المخلصين، تجري أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة يميدون كأنما ينفضهم من خشية الله، فيقول لهم الربّ جلّ جلاله: يا ملائكتي مخافة تخيفكم؟
فيقولون: ياربّنا لو أن أهل الأرض أطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه، ما أساغوا طعاماً ولا شراباً ولا انبسطوا في فرشهم، ولخرجوا إلى الصحارى يخورون كما يخور البقر.
{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} وهذا تفسير لقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرض} [الشورى: 5] {رَبَّنَا} أي ويقولون: ربّنا {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} نصباً على التفسير، وقيل: نصباً على النقل، أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ} دينك {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم}.
روى الأعمش عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله يقولون الملائكة خير من ابن الكوا، يستغفرون لمن في الأرض وابن الكوا يشهد عليهم بالكفر، وابن الكوا رجل من الخوارج قال: وكانوا لايحبون الإستغفار على أحد من أهل هذه القبلة.
وقال: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله للعباد الشيطان.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبي يقول: سمعت محمّد بن علي بن محمّد الوراق يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول لأصحابه إذ قرأ هذه الآية: افهموا فما في العالم خيراً أرجى منه.
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن} في محل نصب عطفاً على الهاء والميم {صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}.
قال سعيد بن جبير: يدخل الرجل الجنّة فيقول: أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجي؟
فيقال: لم يعملوا مثل عملك.
فيقول: كنت أعمل لي ولهم.
فيقال: ادخلوهم الجنّة.
{وَقِهِمُ السيئات} أنواع العذاب {وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم * إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ} يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عاينوا العذاب فيقال لهم: {لَمَقْتُ الله} إياكم في الدُّنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون {أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ} اليوم {أَنفُسَكُمْ} عند حلول العذاب بكم {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ * قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين}.
قال ابن عبّاس وقتادة والضحاك: كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله تعالى في الدُّنيا ثم أماتهم الموتة التي لابدّ منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان، وهذا مثل قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] الآية.
وقال السدي: أُميتوا في الدُّنيا ثم أُحيوا في قبورهم، فسُئلوا ثم أُميتوا في قبورهم، ثم أُحيوا في الآخرة.
{فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} فنصلح أعمالنا، نظيرها قوله: {هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} [الشورى: 44] {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} في الكلام متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه، مجازه: فأُجيبوا أن لاسبيل إلى ذلك وهو العذاب والخلود في النار، بأنه إذا دُعي الله وحده في الدُّنيا كفرتم به وأنكرتم أن لا تكون الإلهية له خالصة، وقلتم أجعل الإلهة إلهاً واحداً {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ} غيره.
{تُؤْمِنُواْ} تصدقوا ذلك المشرك. وسمعت بعض العلماء يقول: وإن يشرك به بعد الرد إلى الدُّنيا لو كان تؤمنوا تصدقوا المشرك ذكره بلفظ الإستفهام. نظيره قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28] {فالحكم للَّهِ العلي الكبير}.


{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)}
{هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً} بأدرار الغيث {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ * فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} العبادة والطاعة {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون * رَفِيعُ} أيّ هو رفيع {الدرجات} يعني رافع طبقات الثواب للأنبياء والمؤمنين في الجنّة.
قال ابن عبّاس: رافع السماوات وهو فوق كل شيء وليس فوقه شيء.
{ذُو العرش} خالقه ومالكه {يُلْقِي الروح} ينزل الوحي، سمّاه وحياً، لأنه يحيي به القلوب كما يحيي بالأرواح الأبدان {مِنْ أَمْرِهِ} من قوله وقيل بأمره {على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق}.
قراءة العامة: بالياء أي ينذر الله تعالى.
وقرأ الحسن: بالتاء، يعني لتنذر أنت يامحمّد يوم التلاق.
أخبرنا أبو الحسين بن الفضل الفقيه حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمّد بن عبيد الله حدثنا أبو أُسامة حدثنا المبرك بن فضالة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} قال: يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.
وقال قتادة ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق.
ابن زيد: يتلاقى العباد.
ميمون بن مهران: يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل: يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل: يلتقي فيه المرء مع عمله {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} خارجون من قبورهم، ظاهرون لايسترهم شيء {يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ} من أعمالهم وأحوالهم {شَيْءٌ} ومحل {هم} رفع على الابتداء و{بارزون} خبره {لِّمَنِ الملك اليوم} وذلك عند فناء الخلق، وقد ذكرنا الأخبار فيه.
قال الحسن: هو السائل وهو المجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه فيقول: {لِلَّهِ الواحد القهار} الذي قهر الخلق بالموت.
أخبرنا شعيب أخبرنا مكي حدثنا أبو الأزهر حدثنا روح حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد، بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضّة لم يعص الله تعالى فيها قط، فأول ما تتكلم به أن ينادي مناد {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}.
{اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} فأول مايبدؤن به من الخصومات الدماء {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة} أي بيوم القيامة، سمّيت بذلك لأنها قريبة، إذ كل ماهو آت قريب.
قال النابغة:
أزف الترحل غير أن ركابنا *** لمّا تزل برحالنا وكأن قد
أي: قَرُب، ونظيرها هذه الآية قوله تعالى: {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57] أيّ قربت القيامة.
{إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} من الخوف قد زالت وشخصت من صدورهم، فتعلقت بحلوقهم فلا هي تعود إلى أماكنها ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا فليسوا سواء نظيره قوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} [إبراهيم: 43] {كَاظِمِينَ} مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً، والكاظم الممسك للشيء على مافيه، ومنه كظم قربته إذا شد رأسها، فهم قد أطبقوا أفواههم على مافي قلوبهم من شدة الخوف، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حين يضيق به.
يقول العرب للبئر الضيقة وللسقاية المملؤة: ماء كظامة وكاظمة، ومنه الحديث: كيف بكم إذا بعجت مكة كظائم.
قال الشاعر:
يخرجن من كاظمة العصن الغرب *** يحملن عبّاس بن عبد المطلب
ونصب كاظمين على الحال والقطع.
{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} قريب وصديق، ومنه قيل للأقرباء والخاصة حامّة {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيشفع فيهم {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين}.
وقال المؤرخ: فيه تقديم وتأخير مجازه أي الأعين الخائنة قال ابن عبّاس: هو الرجل يكون جالساً مع القوم، فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.
وقال مجاهد: هي نظر الأعين إلى ما نهى الله تعالى عنه.
قتادة: هي همزة بعينه وإغماضه فيما لايحب الله تعالى ولايرضاه.
{وَمَا تُخْفِي الصدور * والله يَقْضِي بالحق والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأوثان {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لأنها لاتعلم شيء ولا تقدر على شي.
وقرأ أهل المدينة وأيوب: تدعون بالتاء، ومثله روى هشام عن أهل الشام والباقون: بالياء.
{إِنَّ الله هُوَ السميع البصير * أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}.
قرأه العامة: بالهاء.
وقرأ ابن عامر: منكم بالكاف. وكذلك هو في مصاحفهم.
{وَآثَاراً فِي الأرض} فلم ينفعهم ذلك حين أخذهم الله {بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ} يعني من عذاب الله من واق ينفعهم ويدفع عنهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ} يعني فرعون وقومه {اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ}.
قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول، لأن فرعون كان أمسك عن قتل الولدان، فلما بُعث إليه موسى أعاد القتل عليهم.
{واستحيوا نِسَآءَهُمْ} ليصدوهم بقتل الأبناء واستحياء النساء عن متابعة موسى ومظاهرته {وَمَا كَيْدُ الكافرين} وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملائه {ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منّا {إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ} يغير {دِينَكُمْ} الذي أنتم عليه بسحر {أَوْ أَن}.
قرأ أبو عمر وأهل المدينة وأهل الشام وأهل مكة: وأن بغير ألف، وكذلك هي في مصاحف أهل الحرمين والشام.
وقرأ الكوفيون وبعض البصريين: {أو أن} بالألف، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق.
وقال أبو عبيد: وبها يقرأ للزيادة التي فيها، ولأن {أو} ربما كانت في تأويل الواو، ولا تكون الواو في معنى أو.
{يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد}.
قرأ أهل المدينة والبصرة: {يُظهِر} بضم الياء وكسر الهاء، و{الفسادَ} بنصب الدال على التعدية.
ومثله روى حفص عن عاصم وهي اختيار أبي عبيد قال لقومه: يبدل دينكم، فكذلك يظهر ليكون الفعلان على نسق واحد.
وقرأ الآخرون: بفتح الياء والهاء ورفع الدال على اللزوم، وهي اختيار أبي حاتم. والفساد انتقاص الأمر، وأراد فرعون به تبديل الدين وعبادة غيره.
{وَقَالَ موسى} لما توّعده فرعون بالقتل: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} اختلفوا في هذا المؤمن.
فقال بعضهم: كان من آل فرعون، غير أنه كان آمن بموسى، وكان يكتم إيمانه من فرعون وقومه خوفاً على نفسه.
قال السدّي ومقاتل: كان ابن عم فرعون وهو الذي أخبر الله تعالى عنه فقال: {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} [القصص: 20].
وقال آخرون: كان إسرائيلياً، ومجاز الآية: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون. واختلفوا أيضاً في اسمه.
فقال ابن عبّاس وأكثر العلماء: اسمه حزبيل.
وهب بن منبه: اسمه حزيقال.
ابن إسحاق: خبرل.
أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمّد بن خالد أخبرنا داود بن سليمان أخبرنا عبد الواحد أخبرنا أحمد بن يونس حدثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق قال: كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيب.
{أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن} أي لأن {يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} من العذاب.
وقال بعض أهل المعاني: أراد يصبكم كل الذي يعدكم.
والعرب تذكر البعض وتريد الكل، كقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها *** أو يرتبط بعض النفوس حمامها
أي كل النفوس.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك.
وقال السدي: قتّال.
{كَذَّابٌ} على الله.
أخبرنا الامام أبو منصور محمّد بن عبد الله الجمشاذي حدثنا أبو العبّاس الأصم حدثنا العبّاس بن محمّد الثوري حدثنا خالد بن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص قال: ما تؤول من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء كان أشد من أن طاف بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا: أنت الذي تنهانا عمّا كان يعبد آباؤنا؟
فقال: «أنا ذاك».
فقام أبو بكر رضي الله عنه فالتزمه من ورائه وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ} إلى آخر الآية رافع صوته بذلك، وعيناه تسفحان حتّى أرسلوه.


{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)}
{ياقوم لَكُمُ الملك اليوم ظَاهِرِينَ} غالبين مستعلين على بني إسرائيل {فِي الأرض} أرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله} عذاب الله {إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ} من الرأي والنصيحة {إِلاَّ مَآ أرى} لنفسي.
وقال الضحاك: ما أعلمكم إلاّ ما أعلم نظيره {بِمَآ أَرَاكَ الله} [النساء: 105]. {وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد * وَقَالَ الذي آمَنَ ياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِم} مثل ما أصابهم من العذاب {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ * وياقوم إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد}.
قرأه العامة: بتخفيف الدال، بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة، إلاّ أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، إلاّ أن فلان بن فلان شقى شقاوة لايسعد بعدها أبداً، وينادي الناس بعضهم بعضاً وينادي أصحاب الأعراف، وأهل الجنّة أهل النار، وأهل النار أهل الجنّة، وينادي حين يذبح الموت: يا أهل الجنّة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن: {التنادي} بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.
وقرأ ابن عبّاس والضحاك: بتشديد الدال، على معنى يوم التنافر، وذلك إذا ندّوا في الأرض كما تند الابل إذا شردت على أربابها.
قال الضحاك: وذلك إذا سمعوا زفير النار ندّوا هراباً، فلا يأتون قطراً من الاقطار إلاّ وجدوا ملائكة صفوفاً، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله: {يَوْمَ التناد} وقوله تعالى: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] {والملك على أَرْجَآئِهَآ} [الحاقة: 17].
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أيّ منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.
وقال مجاهد: يعني فارّين غير معجزين.
{مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} ناصر يمنعكم من عذابه {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ} بن يعقوب عليه السلام {مِن قَبْلُ بالبينات} أي من قبل موسى بالبينات.
قال وهب: إن فرعون موسى هو فرعون يوسف، عمّر إلى زمن موسى. وقال الباقون: هو غيره.
{فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك {مُّرْتَابٌ} شاك {الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً} أي كبر ذلك الجدال مقتاً كقوله: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ} [الصف: 3] و{كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] {عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} يختم الله بالكفر {على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر: {قلب} منّوناً.
وقرأ الآخرون: بالإضافة.
واختاره أبو حاتم وأبو عبيد، وفي قراءة ابن مسعود: {على قلب كل متكبر جبار}.
{وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهامان ابن لِي صَرْحاً} قصراً. والصرح البناء الظاهر الذي لايخفى على الناظر وإن بُعد، وأصله من التصريح وهو الإظهار.
{لعلي أَبْلُغُ الأسباب * أَسْبَابَ السماوات} أي طرقها وأبوابها {فَأَطَّلِعَ}.
قرأه العامة: برفع العين نسقاً على قوله: {أبلغ}.
وقرأ حميد الأعرج: بنصب العين.
ومثله روى حفص عن عاصم على جواب {لعلّي} بالفاء.
وأنشد الفراء عن بعض العرب:
على صروف الدهر أو دولاتها يدلننا *** اللمّة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها
بنصب الحاء على جواب حرف التمني.
{إلى إله موسى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ} يعني موسى {كَاذِباً} فيما يقول: إن له ربّا غيري أرسله الينا {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ} خسار وضلال. نظيره: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].

1 | 2